يقول الدكتور وليد فتيحي في كتابه (الأنا) أن حبنا لذواتنا الحقيقية لا يكون إلا بحبنا لكل ما حولنا، فنحن عندما نخرج من بطون أمهاتنا لندخل إلى الدنيا، فإننا ندخلها بفطرة ربانية سوية، ندرك بها أننا جزء لا يتجزأ من منظومة كونية، فتسبح أرواحنا بانسجام مع كل ما حولنا من مخلوقات كونية، وتبدأ حواسنا بالعمل لتقودنا في رحلة نتعرف بها على غيرنا قبل أن نتعرف بها على أنفسنا، فكل حواسنا موجهة للخارج. عين ترى الأشياء من حولي وأذن تسمع أصوات غيري، ونبدأ رحلة تكوين صورة ذهنية عن ذواتنا، هذه هي الصورة الذهنية التي نرسمها لأنفسنا.
إنها الأنا (الذات الوهمية) بدأت بالتكون في مرحلة مبكرة من أعمارنا، إنها التي ذكرها الرحمن في قوله: “وَنَفَخْت فِيهِ مِنْ رُوحِي”.. ويبدأ الصراع بين ذاتين، بين صورة ذهنية ولكنها في أعين صاحبها والناس مرئية، وذات أخرى حقيقية ولكنها مغمورة في الأعماق منسية، ويستمر الصراع.
إن سر الحياة هو أن تموت قبل أن تموت، لتدرك أنه ليس من موت، أي أنك تميت هذه الأنا في قلبك في هذه الدنيا وتعيش مع ذاتك الحقيقية التي أودعها الله داخلك.
إن جل أمراض النفس وفساد الأرض والبر والبحر مصدره الأنا. إنها الأنا التي أخرجت إبليس من الجنة.
الأنا أنستنا أننا جميعاً خلقنا من نفس واحدة، أننا جزء لا يتجزأ من هذا الكون الفسيح، أننا جزء من تدبير كون متقن بديع. الأنا أنستنا أن حبنا لكل ما حولنا هو أسمى صور حبنا لربنا وأصدق صور حبنا لأنفسنا، وحبنا لذواتنا الحقيقية لا يكون إلا بحبنا لكل ما حولنا، فالجزء لا ينفصل عن الكل. الأنا أوهمتنا أننا منفصلون عن بعضنا، وبهذا الفهم الخاطئ يأتي الشعور بالخوف على هذه الأنا.. كل أمراض الفرد والأسرة والمجتمع والعالم أجمع مصدرها ومنشؤها وهم الأنا.
أن نراقب الأنا.. أن نراقب أفكارنا وعواطفنا وكل الأشكال والصور الذهنية بعين ذواتنا الحقيقية، أن نوجد تلك المساحة بين وعينا وبين أفكارنا وعواطفنا، وبذلك نتحرر من أسر التماهي أو التعلق أو تعريف الذات من خلال أي شيء غير الذات الحقيقية.
إنها يقظة الوعي الفردي والجمعي، إنها ثورة عصر جديد في يقظة وتطور الإنسانية، إنها رحلتك ورحلتي ورحلتنا جميعاً.. إنها غايتك وغايتي وغايتنا جميعاً.. إنها سفينة نجاتك ونجاتي ونجاتنا جميعاً.