جرت عادة الناس بالإلحاح على التوافق والانسجام؛ لأنهم يعرفون أن الخلاف موحش ، وقد يؤدي إلى صراعات مريرة؛ وهذا حق ، لكن من عادة الناس أيضاً أن يطلب كل واحد منهم من غيره أن يوافقه ، وينسجم معه، وينسى أن عليه أن يطلب من نفسه مثل ذلك!
الناس يعيشون في زمان كل شيء فيه إلى اتساع وتنوع ، وأن الخيارات على كل صعيد باتت كثيرة جداً ، وإن من شأن هذا أن يجعل دوائر الخلاف أوسع بكثير مما كان عليه الأمر في الماضي ، وهذا يتطلب منا أن نفهم مسائل الاتفاق والاختلاف على وجه حسن.
ولا بد أن نعلم أن الاختلاف سنة من سنن الله تعالى في الخلق، وهذا ما نفهمه من قول الله – تعالى -: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ}.
اختلاف عقولنا ونفوسنا وأهوائنا أشبه باختلاف وجوهنا ، حيث إن من النادر أن تجد وجهين متفقين في كل التفاصيل والملامح ، ولكن على مستوى التقسيمات العامة فإن في كل وجه خدين وعينين وحاجبين وجبيناً وأنفاً وفماً وذقناً ، وهكذا الناس تجمعهم أمور عامة ، وتفرقهم التفاصيل الصغيرة ، وينبغي أن نتقبل هذه الوضعية على ما هي عليه.
فطر الله تعالى الناس على طبائع مختلفة ، فمنهم من يميل إلى التفاؤل ، ومنهم من يميل إلى التشاؤم وسوء الظن ، ومنهم من هو صابر وهادئ وحليم ، ومنهم من هو غضوب ملول ضيق الصدر .. وهذا يؤدي إلى كثير من الاحتكاك اليومي وكثير من النزاع.
من الناس من نشأ في أسرة تُعامل أبناءها بالرفق واللين والتدليل ، ولهذا فإنهم يظنون أن الحياة رخية ، وأن الناس كلهم طيبون. ومنهم من نشأ في أسرة يسودها الظلم: ظلم الأب أو زوج الأم أو زوجة الأب… ولهذا فإنه ينظر إلى العالم بمنظار أسود ، ويسيء الظن بكل من يقابله.
ما الذي يعنيه كل هذا ؟
إنه يعني ما يلي :
1 ـ لا ينظر أحدكم إلى نفسه على أنه الأصل في كل شيء، ولذا فليس على الآخرين سوى أن يكونوا صورة عنه. لدى كل الناس ما يُمدح و وما يُذم، ولديهم ما هو صواب ، وما هو خطأ.
2 ـ حاول فهم وجهات نظر الآخرين وخلفياتهم وظروفهم ، واتخذ من الأعذار والتسامح منهجاً تمضون عليه مع كل ذلك.
3 ـ انظروا إلى الاختلاف على أنه مصدر ثراء وغنى وتنوع ، وليس شيئاً يضعف الأمة ، أو يكدر صفاءها ، فنحن إذا اتفقنا في الكليات لم يضرنا الخلاف في الجزئيات والفرعيات.
4 ـ حين يكون الأمر ظنياً اجتهادياً ، فإن الصواب غالباً مع الأكثرية الكاثرة، لكن حين يكون الافتراق بين الناس في أمور قطعية وظاهرة ، فالصواب مع أهل الحق ومع من معه الدليل والبرهان.
5 ـ لنتهم أنفسنا عوضاً عن اتهام الآخرين.
6 ـ اعتمدوا الحوار والتفاوض من أجل الوصول إلى أفضل بلورة ممكنة في المسائل المختلف فيها.
أ.د. عبد الكريم بكار