الامتنان كنز الحكماء ..

 


بينما كنت سائراً بين أزقة إحدى الأسواق العتيقة في مدينة موغلة في القدم ، رأيت رجلاً قد ناهز الثمانين عاماً منكباً على عمله وهو ينحت بعض الكلمات المبهمة بكل دقة واهتمام على فص من الفيروز الصافي ، وتوجه بروحه وقلبه لإنجاز ذلك العمل ، ثم قام بتثبيت ذلك الفص الجميل على خاتم من الفضة الخالص ، فشدني منظره تماماً ودفعني الفضول لمعرفة ما قد كتب على تلك الفيروزة ، فقرأتها وكان قد كتب عليها كلمة (الامتنان) ! فسرعان ما اشتريت منه ذلك الخاتم وكأني ملكت الدنيا واكتشفت سراً غامضاً من أسرار الحياة .

إن الامتنان للأشياء مهما صغرت سيجلب البهجة إلى قلوبنا ويجعلنا نحب الناس والحياة . وإذا رضينا عن كل شيء في حياتنا فإن الله سيمنحنا جوهرة الامتنان وهي حالة من السكون والسلام الصافي الذي يغمر القلب بالرضا فيفيض على محيانا بالجلال والنور .

تقبل لحظات الخسارة مثلما تزهو بلحظات الفوز ، وارض بالقليل مثلما تفرح عندما تغنم بالشيء الكثير ، فليس من الإنصاف أن تفوز كل يوم وتربح كل ساعة ، بل اسع في الحياة أن يكون الكل فائزين .

كن ممتناً بما تهبه لك الحياة حتى لو كانت نعماً صغيرة . جرّب ذات مرة أن تستنشق الهواء بهدوء وعمق حتى يملأ كل رئتيك ثم احتفظ به لثوانٍ وأطلقه مرة أخرى . وكرر ذلك مراراً وانظر لنفسك كيف أصبحت .

سترى الصفاء والسكون يغمرك والراحة تملأ روحك . إن ذلك لمن يكن إلا هواءً . فما بالك بالنعم التي تحيط بك . إن وجودك في الحياة هو هديتك العظيمة ، عش وأنت ممتن لما يجري من حولك وسيسري في داخلك تيار غامر من الفرح والبهجة لتنعم بسلام فريد .

تنبعث من الإنسان الذي يمتلأ قلبه بالرضا هالات من الخير والرحمة تشع على الآخرين من حوله . إن السعداء لا يمتلكون أفضل الأشياء في الحياة بل هم ممتنون بما تجود به الحياة عليهم وما يجدونه في طريقهم ويتقبلون كل ذلك بالرضا والقبول كهبةٍ من الله تستحق الشكر .

د. مهدي الموسوي

 

شارك التدوينة

المنشورات ذات الصلة

انضم إلى النشرة الإخبارية