العقل والمرض : نظرة على الشفاء الذاتي ..


يقول الدكتور بيرني سيجل ، أستاذ الجراحة في كلية الطب بجامعة ييل ورئيس الجمعية الأمريكية للطب الشامل ، والذي تقوم فلسفته في العلاج على الإيمان والأمل والحب وأثر العقل في الجسم في كتابه (الحب والطب ومعجزات الشفاء) :

إن رجل الطب الحديث اكتسب قدراً كبيراً من السيطرة على أمراض معينة بواسطة الأدوية ، حتى أنه نسي القوة الكامنة داخل المريض .

إن العقل لا يعمل فقط من خلال خيارتنا الشعورية ، وكثير من تأثيراته يتحقق في الجسم مباشرة دون أي وعيٍ منا ، وكثير من العبارات التي يطلقها بعض الناس في حالات التوتر ، أو الغضب ، أو الحزن ، أو الإحباط ، لها أسوأ الأثر على صحتهم الجسمية والنفسية .

إن المخ يتحكم في جهاز المناعة ، ونحن لا نعرف كل الوسائل التي ترتبط بواسطتها كيماويات المخ بالأحاسيس والأفكار ، ولكن النقطة البارزة التي نعرفها : هي أن حالتنا العقلية لها تأثير فوري مباشر على حالتنا الجسمية ، ونحن نستطيع أن نغير الجسم إذا غيرنا المشاعر .

إن أحاسيسنا وكلماتنا تجعل الجسم يعرف ما نتوقعه منه ، وحين نتخيل تغيرات معينة فإننا نستطيع مساعدة الجسم على القيام بتوقعاتنا ، ومن الواضح أن الأحاسيس والتخيلات كلها تنتقل من خلال الجهاز العصبي .

ويقول الدكتور بيرني : ( ولو أنني استطعتُ تعليمك كيف ترضى عن حياتك ، وتحب نفسك والآخرين ، وتحقق راحة البال ، لأمكن أن تحدث التغييرات اللازمة) .

وأضيف إلى ما قاله : فإذا كان المريض مسلماً ، وأضاف إلى ذلك الدعاء الصادق مع التذلل بين يدي الله ، والرقية الشرعية التي صحت بها الأحاديث النبوية ، والاستشفاء بالقرآن ، لتضاعف الأمل بالشفاء بإذن الله .

إن أوسع الأساليب استخداماً ، وأنجحها من بين الأساليب النفسية العديدة ، أسلوب يسمى (التصور أو التخيل) وهو يحتاج قبله إلى الاسترخاء في مكان هادئ .

ليس المراد بالاسترخاء الجلوس بكسل أمام التلفاز أو غيرها من الملهيات، وإنما المراد بالاسترخاء هو تهدئة النشاط العقلي ، وانسحاب الجسم والعقل من التنبيه الخارجي ، وهي طريقة لإبعاد الهموم والأشغال الدنيوية ، استعداداً للاتصال بالطبقات الأعمق من العقل .

والاسترخاء  صعب في البداية على كثير من الناس ، لكن بعد عدة محاولات يصبح سهلاً . وهو المرحلة التي تسبق التأمل ويُعِدُّ له ، فهو طريقة لتركيز العقل في حالة من الوعي المسترخي على أشياء نريد الاهتمام بها ، كالشفاء على سبيل المثال .

والاسترخاء يوصل الإنسان إلى حالة التأمل ، الذي تم توثيق الفوائد البدنية له بواسطة الباحثين الطبيين الغربيين ، الذين وجدوا أن التأمل يخفض ضغط الدم ويعيده إلى المستوى الطبيعي ، ويخفض معدل النبض ، وينتج تغيرات في أنماط موجات المخ تظهر قابلية أقل للانفعال والغضب ، ويقلل احتمال الإصابة بالنوبات القلبية ، ويحسن من نوعية حياة الإنسان بإذن الله تعالى .

وقد أجرى الدكتور كينيث بيليته دراسة نفسية على كثير من المرضى الذين منَّ الله عليهم بالشفاء بعد أن يئس الأطباء من شفائهم ، فوجد هناك خمس خصائص مشتركة بينهم جميعاً :

1- تغيرات هائلة داخل نفوسهم وعقولهم عن طريق التأمل ، والصلاة ، والدعاء .

2- تغيرات هائلة في علاقاتهم مع الآخرين ، فازدادوا لهم حباً وتقبُّلا .

3- تغيرات جذرية في العادات الغذائية ، إذ صاروا يختارون الطعام الصحي الأمثل .

4- الإحساس العميق بالجانب الروحي في الحياة ، وعدم المبالغة في إعطاء القيمة للجوانب المادية .

5- الشعور بأن شفائهم – بالإضافة إلى أنه منحة إلهية- نتيجة لكفاح شاق طويل انتصروا في نهايته . (وهذا ما نعبر عنه نحن المسلمين بالأخذ بالأسباب مع التوكل مع الله ) .

ويجدر بنا أن نأخذ هذا النوع من العلاج السهل البسط بشيء من العناية ، ونوليه بعض الاهتمام لما فيه من الفوائد الكثيرة التي تعود على صحة الإنسان وعلاقته بالآخرين – بإذن الله سبحانه – .

 

د. أحمد البراء الأميري

شارك التدوينة

المنشورات ذات الصلة

انضم إلى النشرة الإخبارية