نستكمل ما عرض في التدوينة الأولى حول موضوع الإسلام والإشباع النفسي للحاجات الإنسانية .
مبادئ الإسلام وضوابط إشباع الحاجات الإنسانية :
الإشباع من وجهة نظر الإسلام ، لا تتم إلا في ضوء المبادئ التالية :
1- الإشباع المشروع : فالله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ، وسخر له ما في الأرض ، وأحل له الطيبات حتى يشبع حاجاته المشروعة ، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) .
2- إشباع الحاجات وسيلة لا غاية : فالإنسان يشبع حاجاته ليحمى حياته ويحفظ سلالته ، وينمي شخصيته ، ويبني مجتمعه حتى يعيش ليعبد الله ويحمده ويعمر الأرض .
أما إذا جعل الإنسان إشباع حاجاته غاية لا وسيلة ، أصبح يعيش ليشبعها ، فتسيطر عليه ، ويظلم نفسه ويؤذي غيره ، ويضطرب توافقه النفسي .
3- إشباع الحاجات الصحية : الحاجات نوعان كما يلي :
أ– حاجات صحية ، يساعد إشباعها على نمو الإنسان وارتقائه نفسياً وجسمياً واجتماعياً .
ب- حاجات غير صحية ، يؤدي إشباعها إلى إيذاء النفس والجسم وإفساد القيم والعلاقات الاجتماعية ، مثل شرب الخمر وتناول المخدرات وغيرها .
4- إشباع الحاجات الصحية بالحلال وعدم إشباعها بالحرام : الإنسان يتعلم إشباع حاجاته ، ويكتسب السلوك الذي يحقق له الإشباع ، فإذا كان هذا السلوك مشروعاً ، كان الإشباع حسناً ومفيداً للفرد والمجتمع ويؤجر عليه كالزواج .
أما إذا كان السلوك غير مشروع ، كان الإشباع سيئاً وفيه ظلم للفرد والمجتمع ويؤثم عليه كالزنا .
5- عدم الإفراط في إشباع الحاجات الصحية : الإفراط في الإشباع مثل الحرمان فيه ، يؤذي نفسياً واجتماعياً ، كالنهم من الطعام يؤدي إلى التخمة ، والإسراف في الراحة يعوق النشاط والإنجاز ، وكثرة النشاط تؤدي إلى الإجهاد والتعب والضعف ، والعطف الزائد يشعر الطفل بالتدليل ويفسد شخصيته ، وكثرة الثناء والمديح قد يشعر الطفل بالغرور .
6- لا يستطيع الإنسان إشباع جميع حاجاته في الحياة : الحياة لا تسمح للإنسان بتحقيق جميع أهدافه ، وعليه أن يوطن نفسه على ذلك ، فيثابر ويضاعف من جهوده ، وينوع سلوكه ، ويكون مرناً في تعديل أهدافه ، ويتنازل عن بعضها في سبيل تحقيق البعض الآخر .
الإسلام وتحقيق الذات عند إشباع الحاجات الإنسانية :
كل شخص له غاية رئيسة في الحياة ، تدور حولها أفكاره ، وتتجه نحوها أعماله ، فإذا حقق هذه الغاية أو اقترب منها شعر بتحقيق ذاته بحسب درجة قربه منها .
يرتبط تحقيق الذات بمشاعر النجاح والرضا في إشباع الحاجات الإنسانية ، فالشخص الذي ينجح في إشباع حاجاته ، وتحقيق معظم أهدافه التي توصله إلى غاياته في الحياة ، يشعر بتحقيق ذاته .
بتصرف من كتاب السلوك الإنساني بين التفسير الإسلامي وأسس علم النفس المعاصر .