خلال تصفحي لبعض المواقع على الشبكة العنكبوتية هذا اليوم ، لفت نظري موضوع غريب من نوعه حول الإحساس بالمتعة من خلال الخوف ، فأحببت أن أشارككم به .
هل تحب أو تحبين مشاهدة أفلام الرعب؟ ألم تسأل يوماً نفسك، لماذا يحب البعض مشاهدة أفلام الرعب، على الرغم من أنها مليئة بالأشباح والقتل الشنيع ومصّاصي الدماء؟
للإجابة على هذا السؤال فلا بد من استعراض وجهة النظر السيكولوجية :
عند الإحساس بالرعب تتسارع نبضات القلب وتتلاحق الأنفاس، ويقشعر البدن، وقد يتصبّب المرء عرقاً. وسواء نتج هذا الإحساس عن مشاهدة فيلم رعب، أم تَعطّل سيارتك في طريق فرعي في غابة مظلمة، أم عن دخولك ليلاً لاستكشاف منزل مهجور، فعليك أن تعلم أنّ هناك أشخاصاً مستعدين لفعل المستحيل لكي يحظوا بهذا الإحساس. هل تعرف أنّ هناك أشخاصاً ينامون على رصيف السينما، لكي يكونوا أوّل مَن يشاهد أفلام الرعب عند نزولها إلى الصالات؟ وأنّ هناك مَن يدفع مبالغ إضافية لكي يحصل على كل جديد من الروايات المرعبة؟ وأن هناك مَن يسافر إلى بلدان بعيدة لكي يرمي بنفسه من أعلى جسر عالٍ لا يؤمّنه من الارتطام بالأرض سوى حبل مطاطي؟ كل هذا لكي يحبسوا أنفاسهم ويتسارع نبضهم ويستمتعوا بالشعور بالرعب.
طبعاً، من بيننا الكثيرون ممّن يمكن أن يفقدوا الشهية لتناول عشائهم إذا رأوا مشهداً واحداً من فيلم رعب دموي أو منظر مخيف ، سواءً على شاشة التلفزيون أو على الطبيعة ، وهؤلاء يستغربون كيف يمكن أن يستمتع إنسان بهذه المشاهد ، المبنية بالكامل على مشاهد القتل وتقطيع الأوصال والدماء، أو بأطياف الأشباح الرهيبة المخيفة، أو الأرواح الشرّيرة التي عادت من العالم الآخَر، أو مصاصي الدماء المتوحشين؟ كيف يمكنهم أن يجروا لاهثين لمشاهدة مثل هذه الأشياء الرهيبة والمفجعة ؟
الخبراء والعلماء، لهم رأي آخر، حيث يقولون إنّه ليس أمراً نادراً، أن نجد بعض الناس يحبون أن يذهبوا إلى أبعَد حَد في استقصاء درجات الرعب، تدفعهم إلى ذلك رغبتهم الفضولية في معرفة إلى أي حد يمكن أن يصل احتمالهم، الإحساس بالخوف، وطمعهم في الاستمتاع بشعور الرضا، الذي يحصلون عليه بعد نهاية فيلم مرعب أو مغامرة خطرة ، عندما يتأكدون أنهم نجحوا في تحمُّل ذلك الإحساس الرهيب؟
استكشاف الجانب المظلم :
ما المتعة التي يجدها الناس في الإحساس بالرعب، الذي يُصاحب المناظر والقصص المليئة بالشر؟
يقول الدكتور فرانك فارلي، الحاصل على الدكتوراه في السيكولوجيا: “هناك تاريخ طويل للأشخاص الذين أبدوا فضولاً كبيراً للاقتراب من مناطق الرعب . فمن خلال مُشاهدة أفلام الرعب، يمكننا أن نرى الرعب أمام أعيننا، فبعض الناس يُعجبون جدّاً بهذا لأنّهم مهتمون بكل ما هو غير طبيعي وكل ما هو غريب، هم معجبون بكل ما هم عاجزون عن فهمه، وكل ما هو مختلف عن حياتهم اليومية”.
لأكثر من عقْدين من الزمن، درس الدكتور غلين سباركس، الحاصل على الدكتوراه في السيكولوجيا، الطريقة التي يتجاوب بها كل من النساء والرجال والأطفال مع الصور المروّعة التي تبثها وسائل الإعلام المرئية بشتّى أنواعها، وهو يقول: “هناك حاجة لدى بعض الناس إلى تعريض أنفسهم لأحاسيس مختلفة، تكسر الروتين الذي يعيشونه دائماً. صحيح أن مشاهدة فيلم أو منظر مرعب، يمكن أن يكون له بعض السلبيات في نظر بعض الناس، إلا أنّ هناك أناساً آخرين يسعدهم أن يشاهدوا ذلك ، لأنّه يجعلهم يعيشون أحاسيس جديدة، مختلفة عن الأحاسيس العادية التي يعيشها الآخرون”.
وقد أثبتت دراسات عديدة، أنّ الذكور يحبون مشاهدة أفلام الرعب، أكثر بكثير مما تحب ذلك النساء. ويقول الدكتور سباركس، في “جامعة سباركس”: “هم لا يحبون أن يشعروا بالرعب بقدر ما يبحثون عن الإحساس بالرضا الذي يشعرون به، عندما يقولون لأنفسهم ولأصدقائهم : لقد نجحنا في السيطرة على مخاوفينا ، فهم يستمتعون بإحساس أنّهم اخترقوا حاجز الخوف”. يضيف الدكتور سباركس: “ومن الشائع جدّاً، أن تجد بعد انتهاء فيلم رعب، شخصاً يخرُج من السينما وهو يبتسم، يملؤه إحساس بالراحة والزهو، ويكون سعيداً جدّاً بأنّه استطاع أن يُتم الفيلم إلى نهايته”.
الباحثون عن الرعب:
درس الدكتور فارلي، الذي شغل لسنوات منصب رئيس “الجمعية الأميركية للسيكولوجيا”، أشخاصاً سمّاهم “شخصيات باحثة عن الرعب” هؤلاء النساء والرجال يلهثون وراء فرصة تتيح لهم خوض تجربة تتسم بالمخاطرة القصوى، من خلال قيامهم بأنشطة يعتبرها الناس الآخرون أنشطة مخيفة تقشعر لها الأبدان، مثل ركوب القطارات الصاروخية في مدينة الملاهي، القفز من الأماكن العالية بحزام مطاطي وغيرهما. ويقول الدكتور فارلي: “سيخبرك أولئك الذين يقفزون من الطائرة بالمظلات، أنّ ما يدفعهم إلى أقصى درجات المغامرة، هو مزيج من الرعب والخوف والإثارة”. وحسب الدكتور فارلي، فإن “بعض الناس يستمتعون كثيراً حتى بالتغيرات الفيزيولوجية التي تطرأ على أجسامهم، عندما يقومون بأعمال تنطوي على مخاطرة أو إحساس بالخوف، مثل ارتفاع الـ”أدرينالين” في الدم وسرعة نبضات القلب ونوبات العرق”. وتَوصَّل الدكتور فارلي، من خلال دراساته المستفيضة على الناس، الذين يلهثون وراء الشعور بالخوف، إلى أنّه ” ليس هناك، تقريباً، أي نشاط آخر، بما في ذلك ممارسة العلاقة الحميمة، قادر على تنشيط الجسم بهذا الشكل، ومنحه هذه الأحاسيس العالية والاستثنائية”.
أقصى الحدود :
هناك أشخاص يدفعهم حبهم إلى الشعور بالخوف، إلى أبعد من هذه بكثير، إنّهم أشخاص لا يُرضي طموحهم ركوب القطار الصاروخي، أو مشاهدة أفلام الرعب أو حتى القفز من الطائرة بالمظلة ، لأجل هذه الفئة من الناس، ظهر في مدينة نيويورك الأميركية قبل سنوات، مستثمر صاحب مشروع غريب من نوعه، مُوجّه إلى هؤلاء الأشخاص ، يقدم صاحب هذه الشركة لزبائنه خدمة تأخذهم إلى أقصى مستويات الإثارة، إنّه يعرض عليهم أن يختطفهم، مقابل أن يدفعوا له ثمن خدمة الاختطاف المصمَّم على ذوق الزبون المخطوف. تُقدَّم هذه الخدمة حسب الطلب، مقابل مبالغ “تافهة”، ، ومقابل هذا المبلغ، يمكنهم أن يخطفوك ويُقيدوك ويهددوك بالسلاح الأبيض أو بالمسدسات (حسب رغبتك)، ويمكنهم أن يخفوك لساعات وربّما لأيّام في مكان مجهول، حتى تشعر بأكبر قدر من الرعب. تفاصيل الاختطاف لا يَعلَم بها الزبون مسبقاً، لكنه يعطي الشركة معلومات عن ميوله وأكثر الأشياء التي تُرعبه أو تُشعره بالإثارة، حتى يمكنهم وضع أكثر السيناريوهات تخويفاً للزبون، ليشعر بالرعب، ثمّ بالارتياح لاجتيازه تجربة فريدة من نوعها. هذا المشروع، الذي أطلق في نيويورك بداية عام 2002، لم تَمضِ شهور على إطلاقه، حتى كان قد قدم خدمته لستة وثلاثين زبوناً وزبونة ، كان الناس يُخطفون من موقف الباص أو من مركز التسوق، أو حتى من غرفة نومهم، ليَتم الزَّج بهم في المقعد الخلفي لسيارة مجهولة، وتكميم أفواههم وعيونهم، وأخذهم ليُحْبَسوا في منزل مهجور ومجهول المكان، وقد يُجرَّدون من ملابسهم وقد يتعرضون للضرب، وكل هذا بناء على اتّفاقهم مع الشركة.
فإن كنت ممن يدمنون مشاهدة الأفلام المرعبة والمناظر البشعة بصورة فوق العادة ، فلا بد أن تعيد النظر في هذا الأمر ، حتى لا يتمادى الأمر إلى أبعد من ذلك .
بتصرف من مقالة لـ سناء ثابت