أن تقبض على القلم ، يعني أن تحمل مرآة بين أصابعك ، النظر فيها ليس اختيارياً ، إذ أن انعكاسات ذاتك تغدو جلية حتى وإن تعمدت تجاهلها.
القلم/المرآة وأنت ، وأفكار منزلها السر وبوابتها رغبتك ، رغبتك التي جالت الحياة واستوت على بعض خبرات ومشاهدات ، فاجترحت رؤى تخصك وحدك كما يفترض. يلوك وعيك تلك الرؤى ، ولأن البوح خلاصك ، فأنت تفضي بكل المخزون في داخلك وفق نسق تتقن تطويع خطواته لتتناسب وإياك.
المشاهد تتلو عليك وحيها ، وأنت المدجج بالموهبة تترجمها لسيل عبارات تبغي بها استلاب من ستلتقي عيناه بكلماتك. أو ربما تخادع (المغرور) في داخلك مقنعاً إياه بأن ما ترويه يجيء متجرداً من أي تنسيقات سابقة أو توقعات لاحقة.
أنت والقلم/المرآة ، تشكلان من الخيال مسرحاً ، وتزج عبره بالحلم.. القهر.. الهوى.. الشراسة.. الأمل.. الخذلان ، والكثير مما تستبصره في القادم أو تدونه عن الماضي. حين ينساب الحبر على الورق أو حين تعبث مفاتيح لوحة التحكم ببياض شاشة الحاسوب ، حين تنفصل عن أناك لدقائق غائراً في (لا) وعيك ، مسلوباً بفعل أشد من إرادتك ، فمن يتقمص الثاني فعلاً.. أنت أم الكتابة؟ من يحرك المشهد حين غيابك عنه وحضور الإيحاء خلف عينيك ليملأ النظر؟ من يملي على أصابعك سيرورة الأحداث ومسار الحكاية؟ من يروي على لسان ما خلق من أبطال مفترضين؟ من يلون أعينهم.. شعورهم.. ومن يحوك التفاصيل السارة والمصائر الشاحبة؟ أيتقمصونك أم تتقمصهم؟
حين تفتك الخيالات بقدرتك على صدها أو استقبال ما يود أبطالها قوله ، كالأشباح يهشمون خلوتك ويفرضون عليك اللحظة التي يشتهون. أيكونون بها وسيلتك/فرصتك لاستغلال يصنع السحر ويبصمه على الورق ، أم أنك وسيلتهم للخروج من سجن المرآة ، ومن بين المتراكم المكتنز في ذاكرتك ولا وعيك ليقولوا كلمتهم الأخيرة ، حيث سيتلاشون بعدها في أبدية الراحة والسكينة؟
الكتابة وأنت.. حين الالتقاء على ضفة السرد ، فكلاكما يخدم الآخر ، ويتنازل له عن جزء من فضاء مملكته ليتجلى الخلق في لحظة نادرة.
هبة بوخمسين