عندما كنت صغيراً يا قرّة العين ، لم تكن ترضى بابتعادي عنك ولو للحظة واحدة .. كنت تلاحقني من حجرة إلى حجرة وتمسك بثيابي وتشدني كي أبقى بجانبك لنلعب ونلهو ونحكي ونضحك .. عند خروجي كنت تثور وتصرخ إلى أن أعود فتعاتبني وتبكي على صدري وترجوني ألا أتركك مرة اخرى .. فأضمك إلى أحضاني وأقبلك وأشرح لك أن الضرورة هي التي أخرجتني وإلا ما كنت تركتك لتحزن وتبكي .. وكثيراً ما اعتذرت وتأخرت عن االدعوات والمناسبات لأبقى بجانبك ولا أقلق ببعدي عنك .. وكثيراً ما كنت أنتفض وأنهض عن سريري لأحملك على كتفي إلى أن تهدأ وتنام ، فأضعك على سريرك برفق وأقبل خصلات شعرك بحنان وأتلو عليك ما استطعت من آيات الحفظ والأمان .. أما عند مرضك فلم تكن عيني تعرف معنى المنام وكنت أنهار وأصلي لله وأطيل السجود متضرعة له بأن يشفيك ويقويك .. ما شكوت يوماً سهر الليالي وتعب الأيام !! وما توانيت لحظة عن القيام بحقك وتلبية رغباتك . ولم يشغل خاطري أبداً قلق منامي ووهن عافيتي !! كل ما أردته هو سعادتك وتوفيقك ..
وتحقق حلمي وأنا أراك اليوم رجلاً ناضجاً قوياً .. ناجحاً سعيداً .. أما أنا فقد هرمت واعتلى الشيب رأسي .. ورسم الزمان تجاعيده على وجهي . وبدأت الأمراض تسلك دربها إلى جسدي .. وتوقعت يا قرة العين منك الحنان والاحتواء ، ليس رداً للجميل فما فعلته كان واجبي ولا أنتظر له شكراً ولا عرفاناً .. توقعته لأجل الحب الذي جمعنا والدم الذي يجري في جسدينا .. توقعته لأجل السعادة التي عشناها وعشرة السنين التي طالت واقتسمناها ..!!
وتحدر الدمع من عيني واختنقت العبرات في صدري حين وجدتك تتضجر من كلماتي وتتأفف لكبر سني وتتهرب بأعذار واهية لتبتعد عني ، وعندما يشتد مرضي أعرف بأنك بينك وبين نفسك تتمنى لي الموت وتعجيل خاتمتي .
بني الحبيب لا تقلق علي ولا تضيع وقتك الثمين بالجلوس بجانبي .. فمن الواضح أنك تجاملني ، ولحظاتك لم تعد تسعني .. إرحل يا قرة العين ولا تتكلف محبتي وحين تشعر بأنك مشتاق إليَّ فعلاً ، تعال لأضمك من جديد إلى صدري .. إرحل وسأطلب من الخادمة أن تتصل بك حين يأخذ الله وديعته ويقبض روحي .
إرحل فالله غني عنك وأحن منك وهو الباقي لي بعد فراقي للدنيا وبعد فراقك .
رانية عبد الرزاق