معنى الفاعلية وأهميتها
الفاعلية تعني بلوغ أعلى درجات الإنجاز وتحقيق أفضل النتائج . ويوصف القادة بالفاعلية عندما تكون المخرجات أكثر وأحسن من المدخلات.
والفاعلية مصطلح فضفاض يختلف باختلاف الموضوعات والتخصصات. وقد عبر القرآن الكريم عن المدخلات بقوله تعالى {وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ } (62) سورة المؤمنون.
وعبّر كذلك عن المخرجات بالعاقبة . وحين تبلغ الفاعلية أقصى درجاتها يطلق القرآن على أصحابها ( المفلحين ). والمفلح هو الذي يظفر بالمطلوب.
وتتحقق الفاعلية في الأمة خلال الإنجازات التي تلبي الحاجات وتواجه التحديات في الداخل، والعطاء الحضاري الذي تقدمه الأمة للأمم في الخارج.
التربية ودرجات نضج الشخصية وعاداتها الفكرية والنفسية
إن النضج الكامل في شخصية الإنسان هو الأساس الأول الذي تقوم عليه تنمية الفاعلية .
والتربية الواعية تعمل على تنمية نضج الشخصية الإنسانية عبر درجات ثلاث من الحالات النفسية – الاجتماعية . وهذه الدرجات :
1- درجة الاعتماد على الغير.
2- درجة الاستقلال عن الغير.
3- درجة تبادل الاعتماد مع الغير.
درجة الاعتماد على الغير وعاداتها الفكرية والنفسية
يتمحور وجود ( درجة الاعتماد على الغير ) حول تصور معين للتأثير والإنجاز خلاصته ( أنت المسؤول ) .
إن صاحب درجة ( الاعتماد على الغير ) إنسان حُرم الوعي بالذات . والوعي بالذات هو أهم منطلقات الفاعلية لدينا؛ لأنه يساعدنا على رؤية أنفسنا ورؤية الآخرين، ويساعدنا على تقييم خبراتنا وخبرات الآخرين، وأفعالنا وأفعال الآخرين.
درجة الاستقلال عن الغير وعاداتها الفكرية والنفسية
تتمحور هذه الدرجة حول تصور الفاعلية والإنجاز بـ ( أنا المسؤول ). أي صاحب هذه الدرجة يتحمل مسؤولياته ويواجه التحديات. والإنسان المستقل عن الآخرين جسدياً ينجز حاجاته ومسؤولياته المادية وحده. وإذا كان مستقلاً عقلياً طوّر قناعاته من داخله ووجه نفسه بنفسه. وإذا كان مستقلاً عاطفياً لم يتأثر إحساسه بذاته وقيمته بمعاملة الآخرين أو آرائهم.وهذه الدرجة أفضل من درجة الاعتماد على الغير .
وتجسد هذه الدرجة ثلاث عادات فاعلة هي :
1- القدرة على الأخذ بزمام الأمور .
2- القدرة على التحديد العقلي للهدف وتطبيقاته .
3- إتقان ترتيب الأولويات في برنامج العمل .
درجة تبادل الاعتماد مع الغير وعاداتها الفكرية والنفسية ( النضوج )
تمثل هذه الدرجة أعلى درجات نمو الشخصية ونضجها، والعادات النفسية المرافقة لهذه الدرجة هي عادات القيادة الناجحة التي تدور حول تصور معين لفاعلية الإنجاز محوره ( نحن المسؤولون ). أي أن صاحبها لا يفكر وحده ولا يعمل وحده، وإنما يعمل ويفكر مع الآخرين.
وهذه الدرجة أفضل من الاستقلال عن الغير لأن إنسان هذه الدرجة جدير بالاعتماد على نفسه وقدراته، ولكنه يوقن بأن العمل مع الآخرين يحقق إنجازاً أكبر مما ينجزه وحده.
ويصاحب درجة تبادل الاعتماد مع الغير عدد من العادات النفسية – الفكرية الإيجابية المؤدية لإثراء الفكر والأداء والإنتاج وهي :
العادة الأولى : تفكير ( أربح ويربح الآخرون ) ، وهذا ما يوجه إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) .
العادة الثانية : افهم الآخرين ودعهم يفهمون ، قال تعالى {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } (18) سورة الزمر
العادة الثالثة : التعاون الجماعي ، ومعنى التعاون أن تتكامل الأفراد وتتناسق جهودهم في كلٍّ واحد.
إن تفعيل هذه العادات كلها يتطلب قدراً كبيراً من الجهد والبذل للتخلص من الأعراف الفاسدة، وهذه المسؤولية تقع على عاتق مؤسسات التربية والتوجيه والإعلام.
التربية والفاعلية وسلم الحاجات الإنسانية
هناك علاقة متلازمة وطردية بين تلبية الحاجات الفطرية في الإنسان وبين تفجير طاقاته في العمل ورفع درجة فاعليته في الإنجاز والإبداع. وأي تعطيل لأي منها يعطل الفاعلية. قال تعالى {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (126) سورة البقرة .
فالله تعالى لم يقصر توفير الحاجات الإنسانية على جنس معين، أو أتباع عقيدة معينة، بل جعلها حقاً مقرراً لكل البشرية.
وعلى ذلك لا يجوز الضغط على الناس والعبث بحاجاتهم الأساسية بسبب الاختلاف في المعتقد أو السلوك أو الآراء.
كتاب التربية والتجديد للدكتور ماجد عرسان الكيلاني