استراتيجية الحياة – الجزء الأخير .

ثانياً : العمل لتحقيق الهدف مع إرهاف الحواس

هذه القصة تبين أهمية تحديد الهدف ( العنصر الأول ) وكيف تكون نتيجة ذلك رؤية واضحة أثناء العمل لتحقيق الهدف مع إرهاف الحواس ( العنصر الثاني ). في جلستنا مع عنصرنا الثاني من عناصر الإستراتيجية الناجحة نلفت النظر إلى أهمية اتخاذ الخطوة الأول نحو الهدف. بعض الناس متميزون في التخطيط ووضع الأهداف. وستجد لديه قدرة عالية وبراعة منقطعة النظير على العمل طوال اليوم في هذا الإطار ولكن إذا طلبت منه اتخاذ الخطوة الأول فإنه يتوقف ولا يدري ماذا يفعل. مثل هذا الشخص لا تسوى خططه وأهدافه الحبر الذي كتبت به لأنها لن ترى النور. قضاء وقت كاف في التخطيط ووضع الأهداف المحددة مهم جدا، ولكن لا بد من التحرك والمبادرة بالخطوة الأولى في طريق تحقيق الهدف. قضاء وقت طويل في وضع الأهداف دون العمل سيجعل هذه الأهداف مجرد أحلام، وهذا هو الفاصل الرفيع المميز بين الأحلام والأهداف.

نحتاج أثناء عملنا لتحقيق أهدافنا إلى إرهاف الحواس للتحقق من أننا نسير نحو الهدف المرسوم. أثناء العملية الأولى : تحديد الهدف، وضعنا مجموعة من المواصفات التي تعرف هدفنا، قد يكون ضمن هذه المواصفات معلومات كمية وكيفية توضح هذا الهدف، وخلال المرحلة الثانية يجب علينا أن نرهف حواسنا للتعرف على حصولنا على الهدف بنفس المواصفات والمعايير. إرهاف الحواس يساعدنا على جمع أكبر قدر من المعلومات البصرية والسمعية والحسية عن الهدف بحيث يمكن مقارنتها مع المواصفات المطلوبة للهدف، فإن تحققت تلك المواصفات فنكون بذلك قد أنهينا الإستراتيجية بتحقيق الهدف وإلا فعلينا البحث عن طريقة أخرى تحقق هدفنا وذلك من خلال عملية المرونة.

خلق الله الإنسان وزوده بالحواس الخمس وأعطى كل حاسة قدرات محددة. تعمل هذه الحواس في النطاق الذي حدده الخالق سبحانه وتعالى، ولكن مع مرور الزمن تصاب هذه الحواس بما يطلق عليه تبلد الحس. يمكن أن نفسر تبلد الحس بأنه نظرا لتكرر الإحساس بشيء ما فإن عقل الإنسان يغفل هذا الشيء في المستقبل نظرا لأنه أصبح شيئا مألوفا. هذه العملية تحدث مع جميع الحواس الخمس. ونظرا لذلك نحتاج من وقت لآخر أن نقوم ببعض التمرينات للحواس التي تعيد لها النشاط وترفع من قدراتها. وكمثال على ذلك كتمرين لحاسة البصر تأمل في مشهد معين لمدة دقيقة ثم أغمض عينيك وصف ذلك المنظر لزميل بكل تفاصيله، ثم افتح عينيك وتأمل المنظر دقيقة أخرى ثم أغمض عينيك وصف المشهد مرة أخرى ستجد أن هناك عناصر لم تذكرها في المرة الأولى.

نحتاج أثناء عملنا لتحقيق أهدافنا لحواس مرهفة لتساعدنا على ملاحظة مواصفات الهدف وهذا سيختصر الوقت اللازم لتحقيق الهدف.

ثالثاً : المرونة

المرونة هي المكون الثالث من مكونات الإستراتيجية الناجحة. والمقصود بها تغيير الأساليب والوسائل التي تستخدمها للوصول إلى هدفك إذا كانت الوسائل التي جربتها لم توصلك أو كانت موصلة ولكن بدرجة فاعلية ضعيفة. لاحظ أن التغيير في الوسائل والأساليب وليس في الأهداف. وهذا الأمر مبني على فرضية بسيطة تقول : تكرار نفس الوسائل والأساليب سيؤدي إلى نفس النتيجة.

فرضية : تكرار نفس الوسائل والأساليب سيؤدي إلى نفس النتيجة

تبدو هذه الفرضية بسيطة جدا لدرجة السخافة، ربما، ولكن الغريب في الأمر أنه على بساطتها فإننا نتجاهلها في حياتنا اليومية. دعني أضرب لك بعض الأمثلة لتتضح الصورة أكثر. الأب الذي حاول علاج سلوك الكذب مع ابنه عدة مرات وفشل في ذلك مع أنه استخدم وسيلة تربوية صحيحة، وتراه يعاود استخدام نفس الوسيلة ويصل إلى نفس النتيجة مرة بعد مرة. الخلل في الإستراتيجية هنا يكمن في تجاوز تلك الفرضية وتكرار استخدام نفس الوسيلة.

هل هذه هي الوسيلة التربوية الوحيدة لتغيير كمثل هذا السلوك؟! لم لا تجرب طريقة أخرى. وهذا هو مفهوم المرونة الذي أقصده في هذا السياق.

مثال آخر : الأب أو الأم الذي يشكو من عدم رغبة ابنه أو ابنته من مواصلة الدراسة، ويشعر هذا الابن أو البنت بالملل من الدراسة وعدم وجود دافع لها. جرب هذا الأب وسيلة أو ربما بعض الوسائل للتغلب على هذه المشكلة، ولكن لم يصل إلى نتيجة. سر الاستراتيجية الناجحة يكمن في عدم اليأس والاستمرار في المحاولات ( المرونة ) حتى تجد الحل المناسب. ولعل قصة أديسون في اكتشاف المصباح الكهربائي خير دليل على ضرورة المرونة في استراتيجيات النجاح. فقد جرب أديسون مئات المرات ولم يفقد الأمل في إشعال المصباح الكهربائي حتى توصل إلى التعرف على المادة المناسبة للمصباح وحقق النجاح الذي تدين به البشرية لأديسون حتى اليوم.


شارك التدوينة

المنشورات ذات الصلة

انضم إلى النشرة الإخبارية